جميعُنا مررنا بتلك اللحظة المريرة التي أدركنا فيها أننا ارتكبنا خطئًا جسيمًا. ربّما كان خطئًا مطبعيًا صغيرًا في فاتورة مالية، ألحق ضررًا كبيرًا بالشركة، أو نسيان حجز مكان لاجتماع تمّت جدولته في اليوم التالي.
مهما اختلفت القصص والمواقف، إلاّ أننا جميعًا شعرنا في لحظة ما بالفزع والذعر من الخطأ الذي ارتكبناه، ووقعنا تحت ضغط كبيرة لم نعلم كيف نتصرّف تجاهه.
لا مهرب من الوقوع في الخطأ أو التواجد في وسط الضغط، غير أنّ السرّ يكمن في الحفاظ على الهدوء في مثل هذه المواقف.
هل الاحتفاظ بهدوء الأعصاب هو الحلّ الأمثل على الدوام؟
في بحث نُشر من قبل كليّة هارفارد للأعمال، تبيّن أنّ اغلب من يحاولون الحفاظ على هدوئهم خلال الأوقات الصعبة، يفعلون ذلك بطريقة خاطئة. الأشخاص الذين يرحّبون بهذه الضغوطات بشكل كبير لدرجة تجعلهم يتحمّسون لها، غالبًا ما يبلون حسنًا وبشكل أفضل بكثير من أولئك الذين يتصنّعون الهدوء أو يحاولون إرغام أنفسهم عليه.
تقول أليسون وود بروكز التي أجرت البحث أن الكثير من الأشخاص يعتقدون بأن محاولة الحفاظ على هدوء أعصابهم هو الطريقة الأمثل للتعامل مع القلق، غير أنّ هذا الأمر قد يكون صعبًا، وفي بعض الأحيان بلا جدوى. حيث أنه وعندما يكونون قلقين ويحاولون تهدئة أنفسهم، فهم في هذه الحالة يفكّرون في كلّ الأمور التي قد لا تسير كما هو مخطط لها. لكن عندما يتحمّسون لمجابهة هذه التحديّات والضغوطات، فهم في الواقع يفكّرون في كلّ الأمور الجيدة التي قد تحدث لهم.
كيف يحافظ الناجحون على هدوء أعصابهم عندما يرتكبون أخطاء جسيمة؟
الحفاظ على التركيز في أوقات الأزمات والضغوطات، يعتمد اعتمادًا كليًّا على طريقة تفكيرك. فالأشخاص الناجحون القادرون على الاحتفاظ بهدوئهم غالبًا ما يمتلكون القدرة على توجيه مشاعرهم للخروج بالسلوكيات الإيجابية التي يريدونها. بمعنى آخر، هم يحوّلون القلق إلى طاقة وإثارة.
فكيف يفعلون ذلك يا ترى؟
أوّلاً: استخدام مهارات التفكير المنطقي
اقرأ أيضًا: ما هي مهارات التحليل والمنطق وكيف أطورها
أجل، ارتكاب الأخطاء أمر محرج للغاية، قد يوبّخك رئيسك في العمل، وربما تظهر تداعيات خطئك هذا في تقييم الأداء التالي. لكن في كلّ الأحوال، فهذه ليست النهاية، لن يتمّ طردك بسبب هذا الخطأ، ولن تفقد منزلك، لن تعيش في الشارع ولن تتحقّق أيّ من تلك الأفكار الكارثية الأخرى التي تدور في مخيّلتك وتغذّي قلقك، فتمنَعُك من التركيز.
ما يفعله الناجحون هو أنهم يطرحون على أنفسهم سؤالين بسيطين:
- ما هو أسوأ شيء قد يحدث بسبب هذا الخطأ؟
- هل سيكون هذا الموقف مهمًّا بعد خمس سنوات؟
الإجابة عن هذين السؤالين ستضع حدًّا للسيناريوهات السوداوية التي تدور عقلك. وستتمكّن بعدها من استعادة ثقتك بنفسك، والنهوض من جديد لإصلاح الأمور.
ثانيًا: التفكير في مواقف سابقة أسوأ من الموقف الحالي
طريقة أخرى يلجأ إليها الناجحون للتعامل مع الضغوطات، والأخطاء هي التفكير في مواقف سابقة أسوأ من الموقف الحالي. فكّر في مواقف أسوأ من الموقف الذي أنت فيه الآن. على الأرجح، فمعظم الأشخاص الذين سبقَ أن ارتكبوا أخطاء أعظم من خطئك الحالي لازالو يعملون في ذات الشركة أو في شركة أخرى وأمورهم تسير على ما يرام.
ذكّر نفسك دومًا أنّ الأخطاء مهما كانت عظيمة فإن أثرها ضعيف على المدى الطويل، خاصّة إن كان من ارتكبها شخص يتمتّع بسيرة مهنية جيّدة.
ثالثًا: الوعي بأن تركيز الآخرين عليك أقلّ ممّا تتوقّع
من السهل أن ترى نفسك على أنّك مركّز الكون. فأنت مُحرج جدًّا من خطئك، وقلق بشأن عملك. وكلّما سمعت حكم أحدهم ازداد قلقك وخوفك. لكن ضع في حسبانك أنّ رئيسك في العمل، وكلّ شخص آخر في الشركة سيقضي وقتًا في البحث عن حلّ للمشكلة أكبر بكثير من التفكير في المتسبّب فيها (وهو أنت!). لن يكون لديهم الكثير من الوقت للتفكير في أمرك إلاّ بعد انتهاء المشكلة، وفي هذه المرحلة ستكون قد أصبحت جزءًا من الحلّ وساهمت في العثور على مخرج من المأزق.
رابعًا: التركيز على التفكير التحليلي والمنطقي
بعد أن يتمكّن الشخص الناجح من السيطرة على خوفه، والتخلّص من النهايات الدرامية المحتملة التي تدور في عقله، حان الوقت مجدّدًا ليلجأ إلى التفكير المنطقي. فلا شيء سيساعده في الحفاظ على تفكير سليم في الأزمة مثل هذه المهارة.
ابدأ بطرح الأسئلة الواقعية المنطقية:
- ما الذي حدث بالضبط؟
- ما هي التداعيات المحتملة لهذا الخطأ؟
- هل ما زال هنالك وقت لتجنّب هذه التداعيات؟ وكيف ذلك؟
- إن كان الأوان قد فات، فما الذي يمكن أن نفعله لتخفيف الضرر الناتج؟
العثور على إجابات شافية لهذه الأسئلة أفضل بكثير من التركيز على جلد الذات وتوجيه الاتهامات إلى نفسك.
اقرأ أيضًا: مهارات التفكير النقدي
خامسًا: اتخاذ إجراءات لإصلاح الخطأ
بعد اكتشاف الحقائق، والتعرّف على حجم المشكلة الحقيقي، حان الوقت لتستعيد السيطرة على الأمور وتعمل لإيجاد حلّ مناسب. تأجيل عملية البحث عن الحلّ لن يعود عليك بأيّ نفع، وإنمّا على العكس من ذلك، سيمنح خوفك وشعورك بالذنب مزيدًا من الطاقة.
وبالمقابل فالسعي لتنظيف الفوضى التي أحدثتها سيمنحك المزيد من القوّة، ويلهيك عن الشعور بالقلق والتوتر. تذكّر دومًا أن الشعور بالحماس للنهوض من جديد سيكون له تأثير مذهل على جودة أدائك وهو أمر سيشفعُ لك حتمًا عند رؤسائك في العمل.
اقرأ أيضًا: مهارات اتخاذ القرار: كيف تصنع مستقبلك من خلال قراراتك
سادسًا: التعاطف مع الذات
يدرك الناجحون أنّه ما من أحد كامل أو معصوم عن الخطأ. فحتّى أعظم الأشخاص يرتبكون أخطاءً فادحة. شركة هنري فورد الأولى للسيارات مثلاً، فشلت بعد 18 شهرًا فقط… أوبرا وينفري أُخبرَت أنّها ليست مناسبة للظهور على التلفاز. والت ديزني طُرد من عمله في جريدة كانساس سيتي ستار بسبب افتقاره للإبداع!
جلد الذات قد يكون خيارًا مغريًا عندما ترتكب خطئًا ما، لكنّه لن يعود عليك بأيّ نفع، ولن يشعرك بالهدوء حتمًا. بدلاً من ذلك استغلّ طاقتك للتفكير في المستقبل وفي الأمور التي يمكنك تغييرها من أجل إصلاح المشكلة.
هذه الخطوات الستّ البسيطة ستساعدك بشكل كبير في تحويل المواقف الصعبة والضغوطات إلى تجارب مفيدة تزيد من خبرتك في المستقبل. تذكّر دومًا أنّ السيطرة على مشاعرك في مثل هذه المواقف له أثر مهمّ للغاية على جودة أدائك.
الخلاصة
لا أحد يحبّ ارتكاب الأخطاء، لكن، ومهما كانت جسيمة فالتفكير المستمر فيها وجلد الذات لن ينفع. اسعَ إذن لتسخير كلّ ما حولك من أجل تقدير الخسائر، ووضع خطّة مناسبة ثمّ تحمّل المسؤولية والانطلاق لإصلاح الأمور، فهذا ما يفعله الناجحون!
للمزيد من المقالات حول المهارات الوظيفية المختلفة، يمكنكم التسجيل في موقعنا ليصلكم كلّ جديد.
المصدر: weforum
اطّلع على المزيد من فرص العمل على موقع فرصة
اقرأ أيضًا: ما هي مهارات حل المشكلات وكيف تطورها
اقرأ أيضاً: 7 أمور يقوم بها الناجحون خلال الدقائق العشر الاولى في وظائفهم