تمّت كتابة هذا المقال بواسطة آمال محمد أبو وردة من فلسطين
ها أنت تمرُّ من أمام متجرٍ للكتب أثناء تجوالك داخل مركز التسوق المفضل لديك، وتقع عيناك على رفٍّ للكتب المخصصة للتنمية الذاتية والتي يقوم أساس أكثرها على دعوتك للتأمل والتفكير في الدوافع التي تسيطر على رغبتك للمُضي قدماً وتحقيق ما يمثّل الحلم الأوحد لك، تقف قليلاً لتتساءل عمّا إذا كان أحد هذه الكتب يملك الجواب الشافي لمعرفة أسباب تعثّرك حتى هذه اللحظة، وما إن كان هذا الكتاب سيُطلعك أخيرًا على السرّ الذي يكتمه أغنياء العالم حول كيفية امتلاك رصيد بنكي تعجز عيناك عن قراءة أصفاره لكثرة عددها!
تصفح جميع مقالات تنمية وتطوير الذات على تعلّم
لا بأس في ذلك، فكلّنا نشتهي قراءة ذلك الكتاب السحري الذي سيوقظنا من غفلتنا ويقدّم لنا مفتاح النجاح على طبقٍ من ذهب، لتتناقل الألسنة من بعدها قصص نجاحنا بينما نجلس نحن الناجحون على مكتبنا الخاص لنؤلّف كتابًا نُلهم به الآخرين حتى يجدوا بدورهم دافعهم للنجاح. ولمَ لا؟ فقد استحققنا ذلك.
لكن لنعد قليلاً إلى الوراء لنتأمل تلك “الدوافع” التي من المفترض أن تدفعنا إلى الأمام…إلى أحلامنا بالنجاح والتفوّق حتى يُخلّد التاريخ اسمنا في قوائم من اجتازوا العقبات بنجاح…متى تنشأ تلك الدوافع؟ وهل الدوافع التي ترافقنا يومًا بعد يوم والتي توارثناها عبر أجيال مضت وتمضي تدفعنا حقًا إلى الأمام، أم هل تُراها تقوم بغرز براثنها في أقدامنا لتمنعنا من المُضيّ قدمًا؟
إذا ما تأمّلت حال الفرد منّا منذ ولادته، وإذا ما أردت الوصول إلى الدافع الأوحد الذي يجمعنا، فستجدُ أنه الخوف…وبطبيعة الحال سيكون هذا الدافع الحاجز الذي يمنعُنا من المضي قدمًا إذا لم نتمكّن من التغلب عليه.
حتى نلتمس أكثر أثر الخوف كدافعٍ أساسي تم توريثه لنا جنبًا إلى جنب مع تلك الجينات التي تحمل أسرار لون بشرتنا وأعيننا يجب أن نلقيَ نظرة تأملية على الفرد منّا والذي يشكّل الإنسان النموذجي.
بدايةً ستجدُ أنّه منذ صغره يتم إيعاز أهمية اتباع الصواب له بشكل أساسي من خلال عملية التخويف، فإذا لم يستمع الطفل منّا لأوامر والدته بالتزام القواعد التي تحاول إرسائها في أسرتها، تستدعي الوالدة روح الخوف على صورة “البعبع” الذي ستخبره بشقاوة الطفل وأفعاله، وغالباً ما يتجلى “البعبع” بصورة الأب الذي سيقابل أفعال الطفل بالعقاب المناسب لفعلته.
هل يبدو هذا المثال مألوفاً لك؟ حسنًا، وهل تُدرك أنّ هذا المثال المألوف والمتكرر في منازلنا وأسرنا هو السبب في شللنا وحيرتنا عندما نتخطّى الثلاثين والأربعين من عمرنا ونبدأ بالبحث عن ذلك “الدافع” الذي تتناقله عناوين كتب التنمية الذاتية؟
ربما يبدو هذا الترابط غير منطقيٍ حتى هذه اللحظة، لهذا السبب سأسلّط الضوء على الرابط بين عامل الخوف والدوافع الناشئة معنا بشكل موسّع وعلى مراحل مختلفة من الحياة، سواء حياة الفرد أو حياة المجتمع كوحدة من الأفراد الذين يجمعهم دافع الخوف.
عودة لمرحلة الطفولة… عندما ينشأ الطفل على ارتباط الصواب والخطأ بوجود “البعبع” الذي سيعاقبه عند ارتكابه خطئًا ما. يتعلّم الطفل أنه في مأمن عند ارتكاب الخطأ في حال غياب عامل الخوف، أي أن الخطأ مباح ما دام الأفق أمامه خاليًا من العقوبة أو المساءلة.
بمعنى آخر، لم يرتبط مُصطلحا الصواب والخطأ عند الطفل بضرورة تحمّل المسؤولية وتبعات أفعاله عند الخطأ وبضرورة اتباع الصواب لصالحه الشخصي وللصالح العام (أسرته في هذا السياق)، بل ارتبطا بمدى معرفة حامل عصا العقاب بالضرر الذي أحدثه الطفل ليقرّر درجة العقاب المناسب له، لينشأ الطفل بعدها على اتباع الصواب والخطأ بناء على مقياس الأمان والخوف من “البعبع” المتزامن مع فترات حياته المختلفة، سواء كان حامل العصا متمثلاً بالأب أو المعلم أو المدير أو المشرفين في العمل.
والنتيجة؟ النتيجة نراها كل يوم من طلبة ينتظرون فسحة الأمان بالتفات المعلم ليقوموا بالغش أثناء الاختبار، ونراها في الشباب الذي يتهاون في سرعته أثناء القيادة غير آبهٍ بمسؤوليته تجاه حياته وتجاه حياة غيره مادامت أعين “العقاب” وكاميراتها غائبة عنه، ونجدها أيضا في كلّ من يلقي مخلّفاته في الشوارع العامة غير آبهٍ بمسؤوليته كفرد تجاه النظافة العامة في مجتمعه الذي يتشاركه مع غيره.
ولم لا؟ فمادامت العقوبة غائبة، ولا يوجد “بعبع” يراقبه، فلابد إذن أن يكون تصرفه مسموحًا. ونرى مثل هذه الأمثلة في كافة جوانب حياتنا وبكافة مراحلها، من زميل لك يتعمّد إهمال واجباته لمجرد غياب مرؤوسيه عن العمل، ومسؤول يُدير ظهره لأصوات العامة من الشعب المنادية له لمجرد انعدام القوة لديهم لمعاقبته على إهمال واجباته تجاههم.
وربما لن يكون هنالك مبالغة عند القول بأن الإنتاجية المجتمعية قد ترتبط أحيانا بعامل الخوف لدى الأفراد في بعض مجتمعاتنا. فلم نعد نتأمل قول رسولنا الكريم:
“إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”
عند إقبالنا للعمل، بل أصبح الشعار المخلّد في اللاوعي لدى العديد منا هو:
“من أمن العقوبة أساء الأدب”!
فحتى عند إنجاز البعض للأعمال الموكلة إليهم تجدهم يتبعون طريق التكاسل بنغماتٍ مكرّرة من التأفف في إنجاز أعمالهم حيث أن إنتاجية عملهم مرتبطة بالخوف من خسارة العمل أو الخصم من الراتب الذي يسعون إليه في آخر الشهر.
بشكل آخر ارتبطت الإنتاجية في العمل بدافع الخوف ولم ترتبط في منطقة الوعي لديهم بأهمية ما ينتجونه بالنسبة للآخرين أو حتى بالنسبة لإتمام بعض الأهداف الإنتاجية على المستوى المجتمعي الأكبر، فنحن نعمل حتى نؤدي المطلوب منا ونحسن التصرف أمام راية العقاب، ولا نعمل حتى نحقّق أهدافًا إنتاجية أو ننجز على مستويات جديدة من الإبداع لنرقى ببصمتنا الفردية والمجتمعية الخاصة.
كيف تتخلص من دافع الخوف؟
حتى نتخلص من دافع الخوف الذي يربط عمل الصواب بوجود “البعبع” من غيابه، علينا أن نبدأ بأنفسنا وبمجتمعنا المصغر المتمثل بأُسرنا وأبنائنا، وأن نحرص على غرس أهمية اتباع الصواب وتأسيس الطفل على ربط الصواب بمصلحته ومصلحة من هم حوله، حتى يكون الصواب والمصلحة العامة هما الدافع المحرّك له، وليس الخوف.
بدلاً من ترديد عبارات التهديد والتخويف لأطفالنا يمكننا أن نعزّز وعيهم ليتأملوا تبعات أفعالهم بشكل ملموس، فإذا رأيت ما يسيء من التصرف منهم اجلس معهم واشرح لهم بلغة مبسطة ما سيتبعُ هذا هذا التصرف من نتائج قد تؤثر عليهم سلبًا مستقبلاً، وبإمكانك أيضًا أن توسّع مساحة الوعي لديهم وأن تشرح لهم كيف أنّ تصرّفهم قد يؤذي باقي أفراد الأسرة حتى يعوا بذلك أهمية تأمّل نتائج أفعالهم على باقي أفراد “المجتمع”. حينها سيقف الأبناء مستقبلاً أمام رف كتب التنمية الذاتية بوعي متكامل آملين وقادرين على إيجاد دوافع حقيقية تدفعهم للمزيد من الإبداع والتطوّر دون الاهتمام بعامل الخوف.
وبإمكاننا أيضاً التغلب على عامل الخوف عند الإقبال على العمل من خلال تذكير أنفسنا أنّ ما ننجزه وننتجه كلّ يوم سيكون له الأثر الإيجابي على من حولنا من خلال خدمتهم ومساعدتهم على إتمام حاجتهم، ولا نحتاج للخوف أو الترهيب للمضي قدمًا في عملنا.
آمال محمد-29 سنة، فلسطينية مقيمة في الكويت، تعمل كمعلمة للغة الإنجليزية وفي ذات الوقت تمضي في اهتماماتها وشغفها التي تشمل الكتابة. مؤلفة لرواية سيتم نشرها قريبا من قبل دار نشرٍ في الكويت.
اقرأ المزيد من المقالات التي كتبها أصدقاؤنا من المتطوّعين:
ويمكنك أنت أيضًا المشاركة بكتاباتك وأعمالك، فما عليك سوى قراءة تفاصيل الفرصة كاملة وتعبئة طلب التقديم.