لم يتبقَ على نهاية العام سوى بضعة أشهر، وإن كنت تملك قائمة بالمشاريع والخطط التي لم تنفّذها بعد، فالمُماطلة والتأجيل هي المتهم الوحيد في هذه القضية.
يعرّف الدكتور تيموثي بيتشيل Timothy Pychyl، الخبير في التأجيل والمماطلة ومؤسس موقع procrastination.ca، هذه العادة السيئة بأنها: “التأخير الطوعي غير المنطقي، والذي لا داعي له في الكثير من الأحيان للمهامّ الواجب أداؤها”.
بعبارة أخرى، فأنت تقرّر القيام بمهمّة معيّنة، لكنك تجد نفسك فجأة تقوم بأمر آخر تعلم أنّه أقلّ أهمية وتدرك تمامًا أنّه ما من داعٍ للقيام به في الوقت الحالي.
هنالك العديد من الخرافات والأكاذيب أو الأعذار التي نستخدمها لتجنّب القيام بالمهامّ التي يجب علينا حقًا إتمامها. وهو ما يُطلق عليه خرافات التأجيل أو الـ Procrastination Myths.
إنّها تلك العبارات التي نقولها من أجل إقناع أنفسنا بأننا نملك سببًا مقنعًا وراء تأجيل أعمالنا المهمّة، في الوقت الذي الذي لا تكون فيه هذه الأسباب سوى أعذار واهية لتجنّب القيام بالأعمال التي تحتاج جهدًا وتركيزًا كبيرين.
اقرأ أيضًا: كيف أنمي حس الانضباط
فيما يلي 4 من أشهر الخرافات وأكثرها شيوعًا حول التأجيل والتسويف:
الخرافة الأولى: “أنا أعمل بشكل أفضل تحت الضغط”
لديك تقرير مهمّ يتعيّن عليك تسليمه بعد أسبوعين. لكن بدلاً من البدء في كتابته، تجد نفسك غارقًا في تنظيف ثلاجة منزلك أو ترتيب خزانتك. وحتى تقلّل من الشعور بالذنب الذي يراودك تجاه عدم القيام بما يتوجّب عليك حقًا القيام به، تبدأ في الحال في البحث عن تفسير مقنع لتصرّفك هذا.
فتقول لنفسك أنّك واحد من أولئك الأشخاص الذين يعملون بشكل أفضل تحت الضغط، لذا فإن أفضل حلّ هو تأجيل البدء في كتابة التقرير حتى يقترب موعد تسليمه.
والحقيقة أنّ التأجيل والمماطلة تؤثّر سلبًا على الأداء. كما أنّ تجميع المهام وتأخيرها حتى اللحظة الأخيرة، ثم قضاء الليلة ما قبل التسليم أو ما قبل الامتحان في الدراسة والكتابة، ليس أفضل الطرق للعمل ولا أكثرها إمتاعًا أيضًا!
على العكس من ذلك، فالتخطيط الجيّد والبدء بالعمل أو الدراسة قبل وقتٍ كافٍ من موعد التسليم سيأتي بنتائج أفضل. كما أنّه أقل إرهاقًا وتوتّرًا بلا شكّ.
اقرأ أيضًا: كيف أنمي حس المسؤولية
ما هو الحلّ؟
إن كنت مقتنعًا بأنّك لا تستطيع حمل نفسك على البدء في تنفيذ مهمّة معيّنة إلاّ في حال كنت تحتّ الضغط، حاول إذن البدء بصنع ضغوطات وهمية لنفسك!
كيف ذلك؟
حسنًا، هناك العديد من الطريق لتحقيق هذا الأمر. على سبيل المثال، يمكنك أن تضبط المؤقت وتقول لنفسك أنّك تملك 30 دقيقة فقط لإتمام كتابة الفقرة الأولى من البحث الذي تعمل عليه.
يمكنك أن تتظاهر أيضًا بأنك تقدّم امتحانًا مهمًّا وسيتمّ سحب ورقتك بعد 30 دقيقة بالضبط. كما تستطيع أيضًا الاستعانة برفيق للدراسة تقوم بتسليمه أجزاء من عملك يوميًا وبشكل منتظم.
من خلال خلق هذا الضغط الوهمي لنفسك، ستُجبر نفسك على التركيز على المهمّة التي بين يديك، وتتجنّب أن تمدّد المهام لتتناسب مع الوقت المتاح لها (قانون باركنسون). كما أنّك ستملكُ الوقت الكافي لإجراء البحث اللازم والتحقق من المعلومات وتدقيق عملك جيدًا قبل التسليم.
إن بقيت غير مقتنع، فحاول القيام بالتجربة التالية: خذ مهمّتين يتوجب عليك إتمامهما، ثمّ أنجز واحدة منهما دون تأجيل، وأخِّر الأخرى حتى اللحظة الأخيرة.
لاحظ بعدها الفرق بين التجربتين ثمّ خذ قرارك!
اقرأ أيضًا: 11 طريقة يهدم بها الأشخاص الأذكياء نجاحهم
الخرافة الثانية: “يجب أن يأتيني الإلهام أو أكون في مزاج مناسب لإتمام هذا العمل”
هل تؤجّل أعمالك المهمّة حتى يأتيك الإلهام، أو حتى تجد نفسك في حالة نفسية ومزاج مناسب للقيام بها؟
إن كنت تقول لنفسك أنّك بحاجة إلى الإلهام حتى تعمل، فهذا ليس سوى شكلاً من أشكال التأجيل المقنّع. وسوف تضطرّ في النهاية إلى إتمام المهام المترتبة عليك سواءً كنت في مزاج مناسب أم لا (على الأرجح ستكون في مزاج سيء، لأنك ستستمرّ في التأجيل حتى اللحظة الأخيرة!)
اقرأ أيضًا: كيف تحقق التوازن بين العمل والحياة الشخصية
ما هو الحلّ؟
بدلاً من انتظار الأفكار الإبداعية أن تأتي إليك قبل البدء في العمل على مهمّة معيّنة، اجلس وابدأ العمل عليها حقًا، سواءً مع إلهام أو من دونه. ستجد أنّ الإلهام سيأتي بمجرّد أن تباشر العمل حقًا.
توقّف عن إضاعة الوقت، وخذ بنصيحة بيكاسو الذي قال يومًا: “الإلهام موجود، لكنه يحتاج لأن يجدك تعمل عندما يأتي!”
الخرافة الثالثة: “أحتاج على الأقل لثلاث ساعات أو أربع حتى أتمكن من العمل على هذه المهمّة”
في كتاب “ابدأ بالأهمّ ولو كان صعبًا: التهم الضفدع”، يحثّ برايان تريسي على البحث الدائم عن طرق ووسائل لتوفير وتخصيص أجزاء كبيرة من الوقت. ثمّ استخدام هذه المساحات الزمنية للعمل على إنجاز المهام الأصعب ذات الأولوية.
لكن في حال لم تملك فترات زمنية طويلة بما فيه الكفاية للعمل على إنجاز مهمّات صعبة، مثل كتابة تقرير وتسليمه بعد أسبوعين، من الخطأ في هذه الحالة أن تستمرّ في التأجيل والتأخير حتى تتمكّن من العثور على بضع ساعات من التفرّغ التام.
اقرأ أيضًا: كيف تحصل على ساعات إضافية خلال اليوم
ما هو الحل؟
بدلاً من محاولة تخصيص فترات طويلة من الوقت، يمكنك تطبيق نهج “الجبنة السويسرية!”. إنها طريقة قدّمها آلان لاكاين Alan Lakein في كتابه: “كيف تتحكّم في وقتك وحياتك”.
كما تعلم من السهل التعرّف على الجبنة السويسرية نظرًا لما فيها من ثقوب كثيرة. وبحسب آلان لاكاين فإنّ طريقة الجبنة السويسرية تنطوي على أنّه من الممكن حقًا البدء في إنجاز مهمّة ما خلال خمس دقائق أو أقلّ، وبمجرّد أن تبدأ، فقد منحت نفسك الفرصة للاستمرار.
بعبارة أخرى تتضمّن هذه الطريقة الآتي:
- إعمل خلال فترات زمنية قصيرة تتراوح بين عدّة دقائق ونصف ساعة.
- أنجز أجزاء صغيرة من مهمّتك الكبيرة (تماما كالثقوب في قطعة الجبن) واحرص على الاستمرارية في ذلك.
هذه الطريقة ناجحة في أغلب الأحيان لعدّة أسباب، أهمّها:
- بمجرّد البدء في العمل على مهمّة معيّنة، لن تبدو لك بعد الآن صعبة وشاقّة كما كان الأمر قبل البدء.
- من خلال إتمام أجزاء صغيرة من مهمّتك الكبيرة، فأنت تحقّق تقدّمًا مستمرًا خلال فترة زمنية محدّدة وبسرعة جيدة تتناسب مع بقية مشاغلك.
- في كلّ مرّة تنهي جزءًا صغيرًا من أعمالك، سيزداد شعورك بالإنجاز.
- إنّك بهذه الطريقة تستغلّ الفترات الزمنية القصيرة فيما هو مفيد بدلاً من تضييع هذا الوقت.
في كلّ مرّة تجد فيها أنّك تملك بعض الوقت (15 دقيقة أو نصف ساعة) للعمل على مشروع معيّن، بدلاً من أن تقول لنفسك أنّه من الأفضل الانتظار حتى تجد وقتًا أطول، اطرح الأسئلة التالية:
- ما الذي يُمكنني إنجازه خلال هذه الدقائق الخمسة عشر؟
- هل هنالك جزء من مشروعي أستطيع البدء به خلال هذا الوقت القصير؟
- كيف أستطيع استغلال هذا الوقت لخلق ثقب صغير (لإنجاز جزء بسيط) من هذه المهمّة الكبيرة؟
استمرّ في إحداث ثقوب صغيرة في مشاريعك العملاقة الصعبة في كلّ مرّة تجد فيها بعض وقت الفراغ. ستتفاجأ بعد بعض الوقت بأنّك فعليًا قد أنجزت جزءًا كبيرًا من المهمّة ولم يبقَ أمامك سوى القليل!
اقرأ أيضًا: 8 نصائح تساعد الاشخاص المماطلين على ترتيب اولوياتهم
الخرافة الرابعة: “سأتمكن من القيام بعمل أفضل في الغد”
جميعنا نملك هذا الشعور الخفي المزيّف بأنّ الأمور ستكون مختلفة في المستقبل، حتى لو كان هذا المستقبل قريبًا جدّا (كيوم الغد مثلاً). نستمر في قول عبارات لأنفسنا مثل:
- سنملك وقتًا أكثر في المستقبل.
- سنكون أكثر تنظيمًا مستقبلاً.
- سنملك سيطرة أفضل على الأمور في المستقبل.
- سنكون قد أخذنا قسطًا كافيًا من الراحة وسنؤدّي عملاً أفضل.
وعبارات أخرى كثيرة على نفس الوزن، لنستمرّ بعدها في التأجيل وإلقاء مهام اليوم على شخصيتنا المستقبلية التي تبدو لنا كبطل خارق قادر على إنجاز كلّ المهام في وقت قصير.
اقرأ أيضًا: 7 علامات تدل على انك لست مشغولا كما تدعي
ما هو الحلّ؟
إليك حقيقة الأمر:
- ما لم تبدأ على الفور باتخاذ خطوات حقيقية لتصبح أكثر إنتاجية اليوم، فسوف تجد نفسك في الغد متعبًا متعطّشًا للمزيد من الوقت تمامًا كما أنت اليوم.
- إن لم تسعى لتصبح أكثر التزامًا اليوم، فسوف تكون عديم الالتزام في الغد، تمامًا كما أنت اليوم.
- ما لم تبذل جهدًا حقيقيًا لتصبح أكثر تنظيمًا اليوم فسوف تجد نفسك في الغد فوضويًا تمامًا كما أنت اليوم!
وهكذا يمكننا تلخيص الحلّ في جملة واحدة: ابدأ الآن، ولا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد!
لا تنتظر الوقت المناسب لتقوم بعمل ما، بل اخلق أنت اللحظة المناسبة لإتمام ما تريد إتمامه في أقرب وقت ممكن.
الغالبية العظمى منّا سبق لهم أن لجأوا لإحدى الخرافات الأربع السابقة كعذر لتأجيل القيام بعمل معيّن أو مهمّة ما.
قد يكون ذلك ناجمًا عن شعورنا بالخوف من أن نقوم بعمل سيء، أو لأن المهمّة معقّدة، أو ربّما لأننا نفضّل القيام بعمل آخر غير إتمام هذه المهمّة.
أيًّا كانت الأسباب، فحقيقة أنّنا قمنا بالمماطلة والتأجيل تبقى واقعة ولا مفرّ منها. لذا نرجو أنّك وبعد قراءة هذا المقال ستكون أكثر قدرة على التغلّب على هذه العادة السيئة والتوقّف عن التسويف.
لن يكون الأمر سهلاً بالطبع لكن مع المحاولة المستمرة ستنجح حتمًا!
شاركنا من خلال التعليقات، وأخبرنا بالأعذار الأخرى التي تقولها لنفسك لتبرّر تأجيل أعمالك المهمّة؟ أو حدّثنا عن الطرق التي تستخدمها للتغلّب على هذه العادة ولا تنسَ التسجيل في موقعنا ليصلك كلّ جديد.
المصدر: lifehack
اقرأ أيضًا: 11 عادة صحية يقوم بها الأشخاص المبدعين صباحاً
اقرأ أيضًا: كيف ترتب أولوياتك بذكاء؟
اقرأ أيضًا: كيف تحافظ على تركيزك وتتخلص من الملهيات؟