جميعنا نعلم أنّ الحياة مليئة بالتقلّبات، والقدرة على البقاء متفائلاً على الدوام ستساعدك على تجاوز الكثير من الأوقات الصعبة. لكن كثيرون من يجهل ما يعنيه التفاؤل حقًا.
إنّه في الواقع لا يتعلّق برؤية أقواس قزح أو فراشات ملوّنة في كلّ مكان حولك، وإنما يتيح لنا التعلّم من المواقف حولنا، والعثور على الإيجابيات مهما كانت بسيطة ورؤية الفرص الجديدة في كلّ الأوقات مهما كانت صعبة.
غالبًا ما يُنظر للتفاؤل على أنّه فطرة يولد بها الشخص وتنمو معه، لكنه في الحقيقة ليس سوى مهارة مكتسبة يمكن لأيّ كان أن يطوّرها ويتمتّع بآثارها الإيجابية.
فما هي هذه المهارة؟ ما هي أهميّتها؟ وهل هناك وسائل تساعدك على اكتسابها؟
هذا ما سنتطرّق للحديث عنه في هذا المقال، فما عليك سوى متابعة القراءة!
ما هي مهارة التفاؤل؟
تعبّر مهارة التفاؤل عن مقدرة الشخص على التحلي بالأمل والثقة بنتائج الموقف مهما بدا صعبًا. حيث يستطيع الشخص المتفائل أن يستخرج الجوانب الإيجابية من مختلف أنواع المواقف. ويميل دومًا للإيمان بأنّ هذا الموقف الصعب سينجم عنه نتائج إيجابية أكثر من إيمانه بأنّ النتيجة ستكون سلبية.
حينما تكون متفائلاً، ستختلف طريقة تعاملك مع الأمور من حولك:
- ستتقبّل حقيقة أنّك لا تستطيع السيطرة على كلّ موقف من حولك، وأنّك بدلاً من ذلك قادر على التحكّم في طريقة تفكيرك وتعاملك مع هذه المواقف.
- حينما تواجهك مشكلة معيّنة، ستركّز على الأرجح على سبل حلّها، بدلاً من محاولة التحكّم في المشاعر والعواطف الناجمة عنها.
- سوف تنظر إلى العقبات التي تواجهك على أنها نتيجة لظروف وعوامل محدّدة وليست بسبب أنّ العالم كلّه يقف ضدّك.
اقرأ أيضًا: كيف أتخلص من الاحباط و السلبية
ما هي أهمية التفاؤل؟
يؤمن المتفائلون بحقيقة أن أيّ موقف من حولنا يمكن أن يتغيّر، ممّا يمنحهم القدرة على المُضي قدما إلى الأمام. ليس هذا وحسب، إذ يوجد العديد من الروابط المهمّة ما بين التفاؤل والصحّة الجيدة، فقد أظهرت دراسات متنوعة أجريت على مدار السنوات أنّ السلوك المتفائل قد يقود إلى:
- زيادة الالتزام بالسلوكيات الصحيّة الأخرى كالتمارين الرياضية، والغذاء المتوازن.
- تجنّب العادات غير الصحيّة والسلوكيات الضارّة كالتدخين مثلاً.
- رفع جودة النوم.
- تعزيز القدرة على التعامل مع التوتر والعوائق في الحياة.
- توسيع شبكة المعارف، نظرًا لأن الأشخاص بشكل عام يفضّلون قضاء الوقت مع المتفائلين بدلاً من المتشائمين.
أظهرت دراسات أن الأشخاص المتفائلين يتمتعون بمستويات أعلى من الرفاهية، ويحظون بنوم أفضل، ويعانون من توتر أقل، بالإضافة إلى تحسينات في صحة القلب والأوعية الدموية ووظيفة المناعة. وفي آخر تطور، أظهرت دراسة حديثة أن الإيجابية والتفاؤل يمكن أن تعززان العمر الطويل.
كيف تصبح شخص متفائل؟
حتى وإن كنت أكثر شخصٍ متشائمٍ على وجه الأرض، لازال يسعُك أن تغيّر هذا الأمر، وتكتسب مهارات التفاؤل، التي تساعدك على في تجاوز الصعاب والعقبات بسهولة أكبر.
اقرأ أيضًا:10 خطابات تحفيزية تدفعك قدما إلى الأمام
فيما يلي 6 خطوات عملية وبسيطة ستضعك على بداية الطريق الصحيح للتفاؤل والإيجابية:
1- اكتب في كل يوم ما تشعر بالامتنان لامتلاكه
هل سبق لك أن راودتك فكرة سلبية يومًا ما، ثمّ ما فتئت هذه الفكرة تقودك إلى غيرها؟ وهل وجدت نفسك بعدها بلحظات غارقًا في دوّامة من الأفكار السوداوية المظلمة التي تحيط بك من كلّ جانب دون أن تتيح لك فرصة الهروب منها والخلاص؟
لاشكّ أنّك قد فعلت، فهذه حال الجميع، لكنّ الحلّ لهذه المعضلة بسيط للغاية!
كلّ ما عليك فعله هو أن تضفي قليلاً من الإيجابية إلى حياتك، فكما أنّ الأفكار السلبية تقودك إلى مثيلاتها، ستساعدك الأفكار الإيجابية على رؤية الأمور على نحو أفضل.
إحدى أبسط الطرق للقيام بذلك، هو من خلال كتابة أمر واحد على الأقلّ تشعر بالامتنان لوجوده. قد يكون ذلك أيّ شيء بدءًا من المنزل الذي تعيش فيه، مرورًا بصديقك المخلص على الجانب الآخر من الهاتف، أو حتى أشعّة الشمس التي تخترق ستائر غرفتك كلّ صباح!
حتى في أصعب الأوقات، نستطيع في الغالب العثور على شيء ولو بسيط ويُشعرنا بالامتنان لامتلاكه. من المهمّ أن نستمرّ في تذكير أنفسنا بما نملك بدلاً من تضييع الوقت في التحسّر على ما لا نملك أو الشعور بالضيق من الأمور التي لا يمكننا تغييرها.
وبالنسبة لأولئك الذين مرّوا بظروف صعبة غيّرت حياتهم، كالتعرّض للحوادث الأليمة أو المرور بظروف صحيّة صعبة، فمن المهمّ التركيز على الأمور التي لا يزال في وسعك القيام بها الآن، بدلاً من التفكير فيما فقدته.
كلّما قضيت وقتًا أطول في الشعور بالامتنان، سيقلّ الوقت الذي تقضيه في التفكير السلبي.
اقرأ أيضًا: 7 طرق يتمكن بها عقلك من خداعك
2- انظر إلى حياتك على أنها خيار
من السهل الاعتياد على التفكير السلبي لدرجة ننسى معها أنّ هنالك خيارات أخرى! نعم…الحياة مليئة بالخيارات، والتفاؤل أحدها.
كما أنّك تملك حرية الاختيار ما بين قضاء أمسية نهاية الأسبوع مع أصدقائك، أو بمفردك، فأنت تملك أيضًا الخيار للتفكير بشكل سلبي أو إيجابي!
قد يصعب عليك أن تتقبّل فكرة أنّك قادر على تغيير أفكارك، خاصّة في الظروف الصعبة، لكن بمجرّد أن تأخذ القرار، وتخطو الخطوة الأولى سيصبح التفاؤل أمرًا سهلاً، ولن يمرّ وقت طويل قبل أن يتحوّل إلى عادة، ومهارة حالها كحال جميع المهارات الأخرى من حولنا.
إليك المثال التالي لتفهم الأمر على نحو أفضل:
لنفترض أنّك في طريقك للتسوّق من المركز التجاري، ولكن سيّارتك تعطّلت فجأة.
يمكنك أن تنظر لهذا الأمر بطريقتين:
نظرة المتشائم:
ستشعر بالضيق والغضب لأنك ما خطّطت له لن ينجح، وستشعر أنّ يومك بأكمله قد أُفسِدَ بسبب هذه العطل.
لك كامل الحقّ في الشعور على هذا النحو، لكن هذه المشاعر لن تغيّر شيئًا سوى أنّها ستزيد من نسب إفراز هرمونات القلق والتوتر في جسمك، وتؤثّر على صحّتك.
اقرأ أيضًا: 7 خطوات بسيطة لتصبح تعيسا!
نظرة المتفائل:
لا تعني ردّة الفعل المتفائلة على هذا الموقف أنّك ستشعر بالسعادة وترقص فرحًا. بالطبع لا!ستشعر بالضيق حتمًا، لكن بدلاً من الاستمرار في التفكير فيما حدث وأثره على بقية أنشطة يومك. ستدفعك مهارات التفاؤل إلى التفكير في حلّ للمشكلة.
بداية قد تشعر بالامتنان لأنك:
- تعرف أشخاصًا يمكنك الاتصال بهم لمساعدتك.تمتلك من المال ما يكفي لإصلاح العطل.
- ثمّ ستبدأ بعدها في النظر إلى الصورة الأكبر للأمر. قد تبحث عن طريقة أخرى لإتمام مشوارك، كأن تستقلّ سيارة أجرة، أو تقوم بطلب المستلزمات عبر أحد تطبيقات التسوّق ليتمّ إيصالها إلى البيت.
الموقف ذاته، وردّة فعل مختلفة! الخيار أمامك وأنت من يقرّر كيف تسيّر حياتك.
اقرأ أيضًا: أفضل 18 مقولة تحفيزية من اللاعب العالمي كريستيانو رونالدو
3- تقبل الأفكار السلبية
إن كنت تريد التغلّب على أيّ أنماط من التفكير السلبي في عقلك، قد يكون من المفيد بداية أن تعترف وتتقبّل الأفكار السلبية حال دخولها إلى عقلك، فذلك سيمنعُها من البقاء معلّقة في رأسك.
الهدف من هذه الطريقة ليس منع الأفكار السلبية من الظهور، فذلك مستحيل، وإنّما الحرص على ألاّ تبقى معلّقة في داخلك فتؤثّر على صحتّك العامة وتمنعك من الاستمرار في حياتك.
على سبيل المثال، لنفترض أنّ لديك مقابلة عمل عبر الفيديو، ولم يسبق لك قبلاً إجراء هذا النوع من المقابلات.
سيكون من الطبيعي أن تراودك أفكار مثل: “لم يسبق لي إجراء مقابلة فيديو قبلاً، لن أتمكّن من أدائها بشكل جيّد، ولن أحصل على الوظيفة حتمًا”
هذه الطريقة في التفكير ستؤثر بشكل كبير على استعداداتك للمقابلة، وعلى أدائك خلالها. قد تعتقد أنّه ما من داعٍ لبذل جهد كبير في التحضير لها، فأنت ستفشل في جميع الأحوال. ولن تؤثر هذه الأفكار على نتيجة المقابلة وحسب، بل على تقديرك لذاتك وثقتك بنفسك أيضًا.
اقرأ أيضًا: 8 مشكلات يسببها تدني تقدير الذات وكيفية معالجتها
بدلاً من توقّع الأسوأ، من المهمّ أن تنظر لأفكارك السلبية بشكل واقعي، ثمّ انتهاج طريقة صحية أكثر في التعامل معها.
كيف ذلك؟
لنعد إلى المثال السابق حول المقابلة الوظيفية، يمكنك أن تتقبّل أفكار السلبية، وتقول لنفسك:
“حسنًا، لم يسبق لي قبلاً القيام بمثل هذا النوع من المقابلات، قد لا أبلي فيها حسنًا، لكني مع ذلك سأبذل جهدي لأنجح فيها، وحتى لو لم أفعل، ستكون تجربة مفيدة، وسأعتبرها تمرينًا لي للمقابلات عبر الفيديو، ممّا قد يتيح لي فرصة أفضل.”
وهكذا ترى أنّ التفاؤل لا يتعلّق دومًا بتوقّع النتائج الأفضل للمواقف التي تحدث من حولنا، بل إنه قد يتمحور أيضًا حول إعادة بناء الأفكار السلبية بطريقة أكثر إيجابية.
اقرأ أيضًا: هل تحتاج إلى بعض الإيجابية؟ إليك 9 قصص قصيرة ملهمة
4- تخيل مستقبلا مشرقا
قد يكون من المخيف أحيانًا أن تسمح لنفسك بالمبالغة في الإيجابية خوفًا من التعرّض لخيبات الأمل أو الخذلان، أو من ألاّ تسير الأمور كما تريد لها.
كثيرون من يعتقدون أنّ العقبات والمصائب تصبح أخفّ في حال كنّا مستعدّين لها نفسيًا، من خلال تخيّل الاحتمالات الأسوأ والتحضّر لها.
والحقيقة أنّه ما من شيء في الحياة مؤكّد، والمبالغة في التفكير في الأسوأ قد تسهم أحيانًا في خلق النتائج التي نخشاها!
على سبيل المثال، لو وصلتك أخبارٌ أنّ الشركة التي تعمل فيها قد بدأت باتخاذ إجراءات لتقليل عدد الموظفين فيها، وبدأت بتخيّل الأسوأ، والتفكير في أنّك ستكون واحدًا من أولئك الذي سيتمّ تسريحهم، حيث سيتمّ اتهامك بأنك متقاعس في العمل.
لو أنّك استمررت في التفكير على هذا النحو، قد تجد نفسك ميّالاً لتقلّل إنتاجيتك، معتقدًا أنّه سيتمّ تسريحك في جميع الأحوال، وهكذا، سيلاحظ مديرك في العمل تقاعُسك، ويقرّر بالفعل التخلّص منك، على الرغم من أنّك لم تكن قبلاً في قائمة الموظفين الذين سيتمّ التخلّي عنهم!
تذكّر دومًا أنّ عقلك يمتلك طاقات عظيمة، وأفكارك تخلق واقعك…واقعك اليوم ما هو إلاّ نتيجة لأفكارك بالأمس. التفكير في الأسوأ قد يكون أمرًا جيّدًا، لكن احرص على عدم المبالغة فيه.
من المهمّ أن تكون مستعدًّا لجميع الاحتمالات، السيئة أو الجيدة، لكن حاول دومًا أن تتخيّل مستقبلاً مشرقًا إيجابيًا. وأن تعاهد نفسك على تعلّم الدرس من كلّ موقف سلبي يمرّ بك.
اقرأ أيضًا:14 طريقة سهلة تحطم ثقتك بنفسك دون أن تشعر
5- انشر الإيجابية من حولك
حينما تسهم في جعل الآخرين يشعرون بالتفاؤل، سينعكس ذلك عليك حتمًا. لا يعني ذلك أن تجعل غايتك إرضاء الآخرين وإسعادهم على الدوام. لكن لا تتردّد في بذل بعض الجهد من حين لآخر لتمدح أحدهم، أو تخبر أحدًا من أحبّائك عن مدى تقديرك لهم.
سيكون لمثل هذه التصرّفات الصغيرة عظيم الأثر على مشاعرهم، وعلى مشاعرك أنت أيضًا.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه إشعار الآخرين بالسعادة أمرًا مستحبًّا، لا تنسَ أن تمنح نفسك بعض الكلمات اللطيفة أيضًا.
اقضِ بعض الوقت مع نهاية كلّ يوم في التفكير فيما فعلته خلال النهار، وامدح نفسك قليلاً حتى وإن كانت إنجازاتك بسيطة. كإعداد وجبة لذيذة، أو اتخاذ قرار الخروج في نزهة للتمشي قليلاً.
احرص على استخدام لغة لطيفة عند التحدّث إلى نفسك ولا تقلّل من قيمة ما تفعله مهما كان صغيرًا. جملة بسيطة مثل: “لقد أبليتُ حسنًا اليوم” قد يكون لها عظيم الأثر على المدى البعيد.
اقرأ أيضًا: 7 خطوات للتوقف عن التذمر المستمر
6- اقض وقتك مع المتفائلين
سواءً كنّا ندرك ذلك أم لا، فالرفقةُ تلعب دورًا هامًّا في حياتنا، وتترك أثرًا واضحًا على أفكارنا ونظرتنا للعالم من حولنا.
إن كنت تقضي أوقاتًا طويلة مع أشخاص متشائمين دائمي الشكوى، فلن تستطيع بأيّ حال من الأحوال أن تكون متفائلاً، على العكس ستجد نفسك تنجذب إلى طريقة تفكيرهم، وتتبنّاها شيئًا فشيئًا، ولن يمرّ الكثير من الوقت حتى تجد نفسك إنسانًا سوداويًا محبطًا.
الأفكار بشكل عام معدية، سواءً كانت إيجابية أو سلبية، لذا احرص على قضاء وقت أقلّ مع أولئك الذين يحبطونك، وساعات أطول مع الأشخاص الإيجابيين المتفائلين المليئين بالطاقة للعمل والجدّ.
ستتفاجأ من الأثر الذي سيتركه هذا الأمر عليك. ومشاعرُ التعب والإرهاق والحزن الغريبة التي كنت تحسّ بها في كلّ مرّة تخرج فيها مع أصدقائك كثيري الشكوى ستختفي لتحلّ محلّها مشاعر النشاط والطاقة والتفاؤل.
التفاؤل إذن ليس موهبة أو فطرة يولد بها المرء، إنه مهارة مكتسبة يمكنك اكتسابها بالتمرين والتدريب واستخدامها في العديد من المواقف الحياتية التي تواجهها.
لكن، احذر أن تستعمله كوسيلة لقمع مشاعرك وحبسها في داخلك، أو تجعله قناعًا لتظهر للآخرين أنّك على ما يرام في الوقت الذي لا تكون فيه كذلك.
في النهاية، جميعنا بشر وجميعنا نمتلك مشاعر مختلفة. إن كنت ترغب في الابتسام والضحك فافعل ذلك. وإن أحسست بحاجة للبكاء والحزن فلا ضير في ذلك أيضًا. لكن المهمّ هو أن تتمكّن من النهوض مجدّدًا، ومواصلة المسير في درب الحياة حتى لو بدت لك الأمور قاسية أو غير عادلة.
تذكّر دومًا أنّ هنالك شيئًا غاية وحكمة وراء كلّ ما يحصل لنا، ومهما طالت الصعاب، لابدّ أن تأتي أيام أخرى أفضل وأجمل.
للمزيد من المقالات المحفّزة حول تطوير الذات، بادر على الفور للتسجيل في موقعنا، ولا تنسَ مشاركتنا رأيك من خلال التعليقات على منصّات التواصل الاجتماعي.
المصدر: restless
اقرأ أيضًا: كل ما تحتاج معرفته عن تحفيز الذات
اقرأ أيضًا: 15 فيلم تحفيزي سيغير نظرتك إلى الحياة