أيًّا كان المكان الذي تعيش فيه على سطح الأرض، فلا شكّ أنّك ستضطرّ للتعامل يومًا ما مع أشخاص من ثقافات مختلفة عن ثقافتك. وبقدر ما يبدو الأمر عاديًا وبسيطًا، غير أنّ التفاعل مع الثقافات الأخرى وخاصّة تلك البعيدة عنّا كلّ البعد، أمر صعب ومعقّد وقد يؤدي إلى خلق الكثير من الخلافات والنزاعات التي نحن في غنى عنها. فكيف يُمكنك إذن التعامل مع الثقافات المختلفة عنك؟ وكيف تكتسب المهارات اللازمة لاحترامها وتقبّلها؟
ما هي الثقافة؟
عندما نسمع الحديث عن الثقافات، فإنّ أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا هو العرق أو السلالة التي ينتمي إليها الفرد، غير أنّ الثقافة في واقع الأمر تمتدّ لأبعد من ذلك بكثير. في واقع الأمر، جميعنا جزء من مجموعات ثقافية مختلفة، ومن المهمّ أن نعي بأنّ هوّيتنا الثقافية تتطور وتتغيّر بتغيّر الظروف من حولنا أو بتغيّر القيم والمعتقدات التي نتعرّض لها. وهكذا فالثقافة عبارة عن عنصر ديناميكي معقّد.
كيف تتشكّل الثقافة؟
بالإضافة إلى العِرق أو السلالة، تُبنى الثقافة وتتأثر بمجموعة من العوامل الأخرى المحيطة بنا، مثل:
- الجنس.
- الطبقة الاجتماعية.
- القدرات البدنية والعقلية.
- المعتقدات الدينية والروحية.
- العمر.
جميع العوامل السابقة تخلق ما يُعرف بالتنوّع الثقافي، الذي يجعل الفردَ عبارة عن مجموعة من التأثيرات الثقافية المنسوجة معًا، إذ يستحيل تعريف الشخص من خلال سمة ثقافية واحدة. ليس هذا وحسب، فالتواريخ الثقافية تخضع أيضًا للتجارب الفردية والخبرات النفسية المعقدة التي تعمل معًا على جعل كلّ واحد منّا شخصّا متفرّدًا ومتميّزًا عن غيره من أعضاء المجموعة الثقافية الواحدة. وهذا هو السبب وراء اختلاف أطباع البشر وسماتهم واهتماماتهم حتى وإن كانوا أفرادًا في مجتمع واحد أو حتى عائلة واحدة.
اقرأ أيضًا: خصائص ومهارات الذكاء الاجتماعي
ما هي عناصر الثقافة؟
هنالك العديد من العناصر الأساسية التي تشكّل كلّ ثقافة مهما اختلف نوعها، وتشمل ما يلي:
- الجغرافيا: وتضم المكان وطبيعة البلد ومختلف المصادر الطبيعية.
- الروابط الأسرية: وتضمّ أدوار الرجال والنساء وكيفية التعامل مع الأكبر سنًّا أو الأطفال وغيرها من جوانب العلاقات الأسرية.
- المؤسسات السياسية: وتضمّ القوانين والقواعد، الحكومات، تعزيز القانون والرفاهية والسلام.
- اللغة: وتتضمّن اللغة المحكية والمكتوبة بالإضافة إلى لغة الإشارات ولغة الجسد.
- الطعام، الملبس، النقل والمأوى: وتشمل اللباس اليومي واللباس الرسمي بالإضافة إلى الهندسة المعمارية والمواد المستخدمة في البناء.
- التكنولوجيا: وتضمّ الاختراعات المختلفة والأدوات والأسلحة التي تصنّعها أو تستخدمها ثقافة معيّنة.
- المعتقدات والقيم والطقوس: ويتضمّن ذلك الطقوس الدينية المختلفة، طقوس الولادة والوفاة، الأساطير والخرافات الموروثة بالإضافة إلى سلوك أفراد الثقافة الواحدة تجاه الأمور الغيبية.
- الاقتصاد: ويشمل ذلك إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات والوظائف والتجارة والمال.
- التعليم: وقد يكون رسميًا أو غير رسمي، حيث يتضمّن المعارف اللازمة للبقاء والتدريب ونقل المعرفة والقيم الجماعية.
وهكذا فالثقافة هي مزيج من هذه الأفكار والمشاعر والمواقف والمعتقدات التي تشترك فيها المجموعة الواحدة. ومن الجدير بالذكر أنّنا قد نولد ضمن بعض هذه المجموعات أو العناصر (مثل المجموعة العرقية التي ننتمي لها)، في حين يمكننا اختيار البعض الآخر (مثل المعتقدات السياسية). ونستطيع أيضًا التنقل بين مختلف المجموعات الثقافية وتبني عدّة عادات وتقاليد وتوجهات ثقافية جديدة.
اقرأ أيضًا: كيف احترم ذاتي و احترم الآخرين؟
كيف تتقبل التنوع الثقافي وتحترمه؟
بعد أن تعرّفنا على مفهوم الثقافة وكيفية تشكّلها وجميع عناصرها وجوانبها، لابدّ من التطرّق للحديث عن مهارة مهمّة مرتبطة بهذا الأمر، ألا وهي “الاستجابة الثقافية”. حيث يُعبّر هذا المصطلح عن قدرة الفرد على تقبّل الثقافات المختلفة واحترامها والتعلّم منها. تتطلّب هذه المهارة امتلاك درجة كبيرة من الانفتاح على وجهات النظر المختلفة، والأفكار وتجارب الآخرين.
اقرأ أيضًا: كيف أصبح شخصًا منفتحًا
فيما يلي مجموعة من الممارسات والخطوات التي ستساعدك على تطوير سلوك إيجابي تجاه الثقافات الأخرى، وامتلاك استجابة ثقافية عالية:
أوّلاً: طوّر وعيك الذاتي
الخطوة الأولى لفهم الثقافات المختلفة عنك وتقبّلها تبدأ بفهم ثقافتك أنت. ابدأ بطرح السؤالين التاليين على نفسك:
- ما الذي أثّر على هوّيتك الثقافية؟
- ما هي المعتقدات والقيم التي تحملها ولماذا؟
عندما تتمكّن من الإجابة عن هذه التساؤلات بصدق، سيصبح بمقدورك استيعاب فكرة اختلاف الآخرين عنك في القيم والأفكار، وبالتالي احترامها وتقبّلها.
اقرأ أيضًا: 13 حقيقة سيكولوجية قد تغيّر نظرتك عن نفسك
ثانيًا: قدّر كلّ ما هو مختلف عنك
لا تحكم على الآراء والقيم والعادات المختلفة عنك على أنّها خاطئة. بدلاً من ذلك تقبّل فكرة أنها مختلفة وحسب. ابذل جهدًا حقيقيًا في فهم وجهة نظر الآخر، وحتى وإن بدت لك هذه الأفكار غير مريحة أو أشعرتك بالضيق بسبب بعدها الكبير عنك. وإياك أن تفرض قيمك وعاداتك على الآخرين باعتبارها هي الأصح. تذكّر دومًا، ليس هنالك ما هو صحيح أو خاطئ في الثقافات، فلكلّ أفكاره الخاصة.
ثالثًا: تخلّص من الصور النمطية
لن تتمكّن من امتلاك أي استجابة ثقافية، إن تمسّكت بالصور النمطية التي بنيتها أنت أو مجتمعك حول الثقافات المختلفة. تخلّص منها أوّلا ونهائيًا بغضّ النظر إن كانت صورًا نمطية إيجابية مثل قول أنّ جميع الآسيويين يهتّمون بلياقتهم، أو كانت سلبية كأن تقول بأن جميع الأوربيين باردو المشاعر.
ضع في حسبانك أنّ الصور النمطية ليست أفكارًا أو معتقدات مبنية على أساس علمي وستجد على الدوام من يشذّ عنها، لذا فهي غير حقيقية وغير موثوقة.
رابعًا: اعرف المزيد عن الثقافات الأخرى
لن تستطيع تقبّل الآخر أو احترامه إن كنت تجهله، لذا احرص دومًا على معرفة المزيد حول الثقافات المختلفة حول العالم. جرّب إحدى الوسائل التالية لتتعلّم المزيد عن الثقافات الأخرى:
- اقرأ كتابًا حول ثقافة معيّنة، أو شاهد برنامجًا وثائقيًا يتناول معتقدات وقيم وعادات شعوب أخرى مختلفة عنك.
- اقرأ عن الديانات المختلفة حول العالم بعقل منفتح وتقبّلها. ليس مطلوبًا منك أن تعتنق أيًّا من هذه الديانات، كلّ ما عليك فعله هو أن تعرف عنها وتحترمها.
- سجّل في دورة تعلّم لغة جديدة، ويمكنك أيضًا أن تتعلّم بعض الكلمات فقط من لغات مختلفة. إنّها طريقة رائعة لتعرف أكثر عن الثقافات حول العالم والاختلافات بينها.
- تعرّف على أشخاص جدد من ثقافات مختلفة، فمقابلة مثل هؤلاء الأشخاص وإجراء حوارات معمقة معهم سيزيد من فهمك لثقافة محدّثك وبالتالي احترامك لها.
- جرّب أطعمة جديدة مختلفة عمّا تعرفه، فالطعام ليس مجرّد غذاء وإنّما يشكّل جزءًا مهمّا من التراث والتاريخ.
- شارك في الفعاليات الثقافية في بلدك، فالسفارات الأجنبية ومراكز اللغات غالبًا ما تنظّم فعاليات للترويج لثقافتها. اذهب لحضورها واستمتع بأجواء بلدان أخرى وأنت في وطنك!
- عرّض نفسك لجوانب الثقافات المختلفة، كأن تشاهد أفلامًا أجنبية (أوروبية وأمريكية وآسيوية)، أو تستمع للأغاني والموسيقى من ثقافات مختلفة، فهذين الأمرين سيُسهمان في أن تتعرّف على بقية جوانب الثقافة لدى بلد أو شعب معيّن.
- سافر وابدأ بالتعرف على أماكن جديدة على هذا الكوكب، وخلال سفرك احرص على تجربة النشاطات المحلية في البلد ومحاولة الاستفادة قد الإمكان من زيارتك هذه.
في الختام، حاول أن تحتفظ دومًا بعقلية متفتحة ومتقبلة للتغيير. من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في العالم، وهذا الاختلاف لا يعني بالضرورة أنّك محق والآخرون مخطئون أو بالعكس، إنها فقط وجهات نظر مختلفة ومعتقدات متباينة تشكّلت عبر التاريخ وبناءً على عوامل متعددّة. وكما أنّك لا تحب أن يهين أحد ثقافتك أو يتحدّث عن معتقداتك بسوء، اسعَ دومًا لاحترام ثقافات الغير وتقبلها كما هي دونما تهكّم أو استهزاء.
المصادر: owlcation، rightforeducation، wikihow
اطّلع على المزيد من فرص التبادل الثقافي على فرصة
تعرّف على فرص السفر الى الخارج المتاحة على موقع فرصة
اقرأ أيضًا: أكثر 7 أسئلة شيوعاً تسألها لنفسك قبل السفر للدراسة بالخارج