تمّت كتابة هذا المقال من قبل أحمد محمد حسينات من الأردن
برأيك ما الحكمة من وجود بصمات مختلفة للانسان عن غيره؟
ربما لبيان الاختلاف بين الشخص والآخر أو لبيان نوع من أنواع التمايز بين الناس…هو سؤال جدلي يحتمل الإجابة بحسب وجهة النظر دون أدنى شك لكن برأيي هو ناشئ من مجرّد كون الجميع مختلفًا عن الآخرين ومن هنا نبدأ نقطة يجب التعريج عليها والاهتمام بها لأجل مستقبل أفضل وحياة أزهى و أقل فوضوية وحيرة.
المجتمع العربي وغياب طبع الاختلاف
ميز الله الجميع بصفات واهتمامات مختلفة، فنجد الإخوة الطبيب منهم والمهندس, لكني أرصد في مجتمعنا العربي غياب طبع الاختلاف فنرى معايير محددة للتميز بعيدًا عن المعايير الشخصية وتنمّرًا عمن يبتعد عن تلك المعايير حتى أنها بدأت ترقى لعنصرية غير ملحوظة و تتدرّج على مراحل حتى يصبح كثير من الناس أشبه بالروبوتات التي تسعى لتحقيق الهدف من تلك المعايير.
على سبيل المثال انتشار بعض الأنواع من السيارات بشكل يكاد لا يصدّق على حساب غيرها في شوارعنا رغم أنه أحيانا نجد الأفضل منها وبنفس الميزانية المخصصة للشراء إلا أنّ تلك الأنواع أصبحت رمزًا لفئة مجتمعية محدّدة يصعب التخلي عنها أو مخالفة قاعدتها أو مثلاً تمايز بعض التخصصات الجامعية على حساب غيرها حتى بدأنا نرى نسبًا غير مسبوقة لعدد متخصصيها في مجتمعنا.
كل تلك الأمور تصبّ في ترجيح وجود ضغوط مجتمعية كبيرة تقوم بتوجيه شبابنا المبدع في بعض الاتجاهات تحت مسميات تتعلّق بالتفوّق والنجاح, وكأن بعض الشخصيات الممارسة للضغوط على الشباب ترغب في تحقيق منافع شخصية تتمثّل في نفخ فقاعتها الواهنة أمام الناس، و سبيلاً للمباهاة والاختيال.
أليس ما سبق تعريفٌ للاستغلال؟! و تدميرٌ لأحلام الشباب وتركيبة المجتمع؟….إنّه بلا شك أثر الفراشة…
لطالما أعجبتني قصيدة لمحمود درويش تُدعى “سجّل أنا عربي”…
لم تستهويني لفصاحة كلماتها ولا لتعبيرها عن قهر الشعوب بل أعجبتني لأنه يفتخر بنفسه و بهويته وأفكاره ويصدح بها عاليًا. يفخر بنفسه و ما هي عليه, بعيدا عن أيّ مثاليات تشوّه مجتمعنا بدلاً من تحسينه.
محمود درويش عرف من هو لكن شبابنا لا يعلمون من هم فيتبعون هوى المجتمع بلا دراية, منقادين إلى فخّ سيؤثر فيهم فترات طويلة. من هنا نشدّد على أهمية الحلم و الطموح كسبيل لتحقيق السعادة ونيل رضا النفس أولاً قبل كل شيء.
اقرأ أيضًا: كيف اختار تخصصي الجامعي المناسب ؟
تأثيرات الانقياد وراء آراء المجتمع دون وعي ودراسة
ترقى معضلتنا إلى العلن عندما تبدأ في الثأثير العميق اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا على الأفراد و التركيبة المجتمعية حتى بدأنا نرى مهنا قد احتكرها العمّال الوافدون أصحاب ثقافة العمل والإبداع بدلاً من ثقافة المباهاة المزيفة و انقراض العمال المحليين في بعض القطاعات الحيوية للدولة.
من هنا نبدأ بلمس ضرورة التخلص من بعض العادات المجتمعية البالية وإطلاق العنان لخيال وإبداع الشباب الطموح وتوفير الظروف المناسبة لتحقيق النتائج المثلى ليس فقط على صعيد الوطن بل عالميًا أيضا, وضرورة تغليب ثقافة العمل والطموح الصادق على الشكليات المجتمعية.
السبيل موجود و قابل للتطبيق من أصحاب الهمم و الأحلام لكن أحد أكبر المعيقات هو لزوم وجود الثقافة التي لا تستبعد هؤلاء الأشخاص اجتماعيًا أو بمعنى أوضح لا يتمّ تصنيفهم أفرادًا من الدرجة الثانية تبعًا للمعايير المصرفية و تسهيلاتها و للصداقات و العلاقات الاجتماعية مستقبلاً و تطبيق قوانين ضمان اجتماعي مشجّعة وقوانين عمل تحفظ الحق و تحفّز المترددين على الانخراط في الأعمال المستبعدة اجتماعيا مما سيسهم في تطوير الصورة الاجتماعية لتلك المهن، وبالتالي تحفيز الشباب على السعي وراء طموحهم الحقيقي بكلّ حرية مما سيوفر مزيدًا من الرضا والإبداع المجتمعي وتنمية الأفراد و انخفاض مستويات الفقر و البطالة ومن ثمّ النهوض و الارتقاء على جميع الأصعدة.
ما هو الحل؟
لكلّ مشكلة من الحلول ما يكفيها و يزيد و كعادة المشكلات الثقافية فالتوعيةُ والنشرات الموجزة حول الموضوع مع تضمين الفرص المتاحة لكل تخصص أو مهنة أو تدريب قد يسهم في حلّ جزء كبير منها.
وكطبعِ كلّ المشاكل، الوصول إلى حلّ شامل يعالج 100% من المشكلة أمر يكاد يكون من المحال خصوصًا أنّ طبيعة ما نتحدث عنه يستند أساسًا إلى الغيرة، و هي داء ابن آدم الأول، و التقليد وهو سنّة عريقة من سنن البشر. فوجب أن ينزع الأشخاص أيديهم عما سبق و يمهّدوا لحاضرهم النقي مما وشك, وشك بريقه و فجرّه و ناسب محتواه أهله , ويأتي الاختيار السليم القائم على أسس ثابتة بمثابة حماية من عثرات المشوار الجامعي كما يوفر مزيدا من التميز والنجاح في مستقبل الأيام .
العتب الأكبر فيما نشهده يأتي على الأكاديمين إلى جانب التقصير المدرسي في التحفيز والتوضيح لكلّ تخصص من تخصصات الحياة و ما يترتب عليه و أساليب دراسته و غيرها فأصبحنا نرى بعض المشاهدات من الأشخاص يستعجمون بعض المعارف والتخصصات و يطلبونها دون علمهم الوثيق بها وبما يؤول إليها بعد انقضاء تعلمها متغاضين النظر عن تباينها أو تناسبها للشخص نفسه أو لطبيعته و طموحه.
وجب إذن على الأكاديمين و أصحاب الأيادي البيضاء من المختصين و أصحاب القرار أن يوضّحوا الطريق و المنهاج المرغوب و المناسب للطموح نصحًا لا توجيهًا لإنارة تضاريس المستقبل لكلّ طالب صادق في سعيه و مشواره و التأكيد على الطلاب على أهمية التحرّر من تأثير الآخرين كي يكون القرار ناتجًا عن إرادته كليًّا و يتحمّل مسؤوليته بنفسه كما و توفير الاستشارة الضرورية للطلاّب في سبيل و ضعهم على خارطة الطريق و بيان رموزها لهم في سبيل الوصول إلى الثمرة المنشودة، ألا وهي ثمرة النجاح والطمأنية والمستقبل الأفضل .
كما أنّ أكثر العوائق التي تقف في وجه الطالب هي اعتماد الكليات على مجموع الدرجات في المرحلة الثانوية دون الالتفات إلى قياس المهارات والقدرات و الميول الشخصية، وهو الأمر الأهم في وجهة النظر. فلا فائدة من المجموع العام دون الشغف تجاه ما يقود إليه.
تعرّف على مهاراتك ونقاط قوّتك وأفضل التخصصات المناسبة لشخصيتك مع اختبار فرصة لتحليل الشخصية. قدم الاختبار الآن!
و هنا نرجوا من أهل الأيادي البيضاء والمعارف متسعة الفضاء النظر بعين الانتقاد لا بعين الارتضاء إلى الآلية المعتمدة التي تكاد تكون غير مراعية لمعايير الاهتمام عند الطلاب و طبيعة التمايز بينهم, فحسب الآلية المعمول بها حاليًا يُصنَّف الطلاب حسب معايير عامة فقط دون الالتفات الى تميّز بعضهم عن غيرهم في مباحث معينة.
على سبيل المثال، من الممكن أن يحصل طالبٌ على مجموع 60% في مبحث الرياضيات و مجموع أعلى في باقي المباحث و طالب آخر على مجموع 90% في مبحث الرياضيات و مجموع أقل في باقي المباحث ليؤهلهم مجموعهم العام لدراسة تخصص الرياضيات أو تخصص يعتمد بشدة عليه.
أليس في هذه الآلية نوع من الغباء هنا؟!
من الضروري أيضًا إجراء مقابلات شفوية أو مكتوبة مع الطلاب من قبل خبراء مؤهلين لمعرفة ميولهم الشخصية و طموحهم بالتالي توجيههم إليها و تناولها كمادة مدعمّة للمجموع العام في سبيل تحقيق مزيد من الرضا والابداع في سوق العمل و المجتمع و في مستقبل أولئك الطلبة.
من هنا نكرّر التأكيد على أهمية التحرّر من الضغوط و الممارسات المجتمعية السلبية و اتباع الميول المدروسة في تحديد التخصص والمستقبل المنشود، و التأكيدُ أيضا على أن المسؤولية التراكمية سوف تكون على كاهل الطالب أو المتخصص وحده دون ممارسي الضعوط.
في النهاية، من غير الجائز إجبار أو إملاء طبيعة التخصص من قبل أي أحد مع الحرص على الاستشارة والدراسة العميقة بخصوص ميولك و تخصصك من أهل الخبرة و المشورة و ننهي القول بتمني التوفيق للجميع في مشوارهم الجامعي و طريقهم المستقبلي .
حول الكاتب:
أحمد محمد حسينات من الأردن، أنهى دراسته الثانوية حديثًا في التخصص الأدبي. كان القانون يستهويه منذ الصغر لما وجد فيه من هيبة ورزانة وخير، فضلا عن كونه مهنة أبيه وعمّه ووالدته.
يستعدّ أحمد الآن لدخول المرحلة الجامعية والالتحاق بكليّة الحقوق في إحدى الجامعات الأردنية ليبدأ بالسير نحو تحقيق حلم الطفولة.