دق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في رأي حديث له، ناقوس الخطر بخصوص الآثار السلبية لاستخدام أطفال المغاربة لوسائل التواصل الاجتماعي، في غياب رقابة ووعي الوالدين، مقدما عددا من التوصيات لحمايتهم؛ أبرزها اعتماد سن الرشد الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي للكشف الاستباقي عن المحتويات غير الملائمة.
وأفاد رأي المجلس أن استعمال التكنولوجيا الرقمية “بشكل مفرط وغير ملائم يمكن أن تكون له عواقب وخيمة مؤكدة على الصحة النفسية والجسدية للأطفال”، مفيدا أن دراسات في الموضوع أظهرت “وجود مجموعة من الاضطرابات النفسية والسلوكية الخطيرة الناجمة عن هذه الظاهرة، لا سيما تطور السلوكات الإدمانية والسلوكات العنيفة واضطرابات القلق والانغلاق على الذات والعزلة وإيذاء الذات واضطرابات النوم ومشاكل التركيز والاكتئاب ومحاولات الانتحار”.
وتكمن المخاطر استعمال الأطفال لشبكات التواصل في “التفاعل المحتمل الذي قد يعرضهم للممارسات الضارة أو الإجرامية على غرار التصيد الاحتيالي والتحرش والتلاعب”، وشدد المجلس على أنه “على الرغم من الآثار الإيجابية التي تقدمها شبكات التواصل الاجتماعي، فإنها تنطوي على مخاطر مؤكدة من قبيل انتشار الأخبار الزائفة والتلاعب بالرأي العام والابتزاز والتحرش الإلكتروني والتحريض على الكراهية والعنف والانتحار”.
وأضاف أن “هناك تهديدات أخرى على غرار تجنيد الأطفال ضمن شبكات إرهابية والاستغلال الجنسي وتطور السلوكات الإدمانية التي من شأنها أن تخلف أثارا جسدية ونفسية كبيرة على المستعملين، فضلا عن تداعياتها على تدهور العلاقات الاجتماعية ومنظومة القيم والالتزام المواطن”.
وأوضح أنه “وفقاً لبحث أجري مؤخراً على 1293 طفلاً وشاباً تتراوح أعمارهم بين 8 و28 عاماً، تبين أن 80 في المئة من الأطفال والشباب في المغرب يستعملون الأنترنت، و70 في المئة منهم يلجون إلى شبكات التواصل الاجتماعي، ويفيد البحث أن 43 في المئة من هذه العينة تعاني من اضطرابات النوم، و35.6 في المئة لديهم خلافات مع العائلة أو الأصدقاء و41.5 في المئة منهم شهدوا تعثرا في نتائجهم الدراسية”.
وتابع المجلس “الأخطر من ذلك أن ثلث الشباب صرحوا بتعرضهم للتحرش السيبراني، و40 في المئة بأنهم يشاركون معطياتهم الشخصية مع أشخاص لا يعرفونهم، و40 في المئة منهم لا يعرفون كيفية تغيير إعدادات الخصوصية على بروفايلاتهم عبر الأنترنت”.
ولفت المجلس إلى أنه “على الرغم من مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وتوفره على إطار قانوني خاص بحماية الأطفال تظل الآليات الحالية غير كافية أمام التحديات التي تطرحها المنصات الرقمية”، مشددا على أن غياب آليات قانونية مؤطرة لاستعمال القاصرين لشبكات التواصل الاجتماعي يؤثر على ضمان حماية ناجعة ومستدامة في البيئة الرقمية.
وتابع أنه بالرغم من وجود العديد من التدابير والمبادرات، “فإنها تظل مجزأة وغالباً ما تكون التدخلات بكيفية معزولة عن بعضها دون أن تلتم ضمن رؤية استراتيجية مشتركة”.
وشدد المجلس على أن “غياب الوعي لدى الوالدين بخصوص المخاطر المرتبطة باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي ومعرفتهم المحدودة بأدوات الرقابة تساهم في تفاقم العواقب المحتملة لاستعمال الأطفال الشبكات التواصل الاجتماعي”.
وأوصى المجلس الاقتصادي “بإرساء بيئة رقمية دامجة توفر الحماية للأطفال”، موضحا أنه “لتحقيق ذلك، يتعين مضافرة جهود التعاون والتنسيق بين مختلف الأطراف المعنية، بغية رفع التحديات المرتبطة بحماية الأطفال، ولا سيما في المجال الرقمي، وهو ما يستدعي إدماج حماية الأطفال على الأنترنت ضمن أهداف السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة مع تعزيز هذه الأخيرة وتسريع تنزيلها “.
وأكدت المؤسسة ضرورة “ملاءمة الإطار القانوني الوطني مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، لا سيما بما يواكب الديناميات المطردة للبيئة الرقمية”، مشددة على “تحديد سن الرشد الرقمي أي إرساء السن التي يمكن للطفل الولوج فيها إلى شبكات التواصل الاجتماعي، مع اتخاذ تدابير تقييدية للمنصات مثل الالتزام برفض تسجيل القاصرين دون موافقة الوالدين”.
ولفت المجلس إلى أهمية “تعزيز التعاون بين السلطات الحكومية والمنصات الرقمية بغية ضمان تأمين أمثل للفضاء الرقمي لا سيما عبر تحديد بروتوكولات واضحة وسريعة للإبلاغ عن المحتويات غير الملائمة أو الخطيرة ومعالجتها (التحرش الإلكتروني، محتويات عنيفة ..).
وشكل استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي أحد أهم توصيات المجلس، وذلك”للكشف بشكل استباقي عن المحتويات غير المناسبة، وتحليل السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، وملاءمة رقابة الوالدين بشكل شخصي وضمان ضبط المحتويات الخطيرة بغية ضمان استجابة سريعة وناجعة للتهديدات على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأورد المجلس ضرورة “إدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية منذ سن مبكرة، مع التركيز على تطوير الروح النقدية والتحقق من المعلومات وموازاة مع ذلك تحسيس منتجي المعلومات بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم بخصوص مكافحة الأخبار الزائفة، لا سيما من خلال تنظيم حملات توعية موجهة للوالدين والمستعملين بشأن المخاطر المرتبطة بشبكات التواصل الاجتماعي، مع تشجيع اعتماد آليات الرقابة الوالدين”.